الاثنين، 11 يونيو 2012

أين الإنسان ؟؟

أين الانسان؟

للكاتبة : إقبال الأحمد ، من جريدة القبس .

http://www.alqabas.com.kw/node/81904

انتشرت اعلانات ضخمة في شوارع الكويت، وعلى صفحات الجرائد، وقد كتب فيها عبارة «وبدأت كويت المستقبل».. وتنوعت الرسومات عليها من إعلان لآخر.. فأحدها رسم فيه مشروع مستشفى جابر، وآخر طريق الجهراء وغيرها من مشاريع تقوم بها وزارة الاشغال العامة.
ولفت نظري واحزنني جدا ان يكون مستقبل الكويت مختزلا في هذه الاعلانات بالحجر فقط...ولا مكان للبشر فيها.. فمستقبل الكويت اولا واخيرا في الانسان نفسه الذي فقد الكثير الكثير منذ كارثة الغزو.. فتحول الانسان الكويتي الملتزم بالقانون والاخلاق والمتسامح.. الكويتي المسالم الذي يعرف كيف يحترم دولته وقانونها.. الكويتي الذي يحترم مدرسه وطبيبه والشرطي الذي يخالفه والخادم الذي يعمل له.. الكويتي الذي لا يعلو صوته على من يكبره سنا او مقاما.. الكويتي الكريم القنوع الذي يعطي اكثر مما يأخذ.. الكويتي الذي يحترم علم بلاده ونشيده الوطني.. الكويتي الذي يحب جاره من دون ان يسأله عن مذهبه.. ويأكل من طبقه من دون ان ينفر منه.
كويتي اليوم يحتاج الى الترميم.. لا، انه يحتاج الى اعادة البناء.. فتركيبته النفسية اهتزت بقوة في مرحلة من مراحل حياته، وترك يترنح حين فقد الثقة بكل شيء في حياته.. فلم يعد يهمه فيها سوى ماذا يكسب وكيف.. فشاع الكذب والنفاق والتملق.. وكثرت الرشوة وشاع الفساد.. وأصبحت هذه للاسف سمة المجتمع.. وما يشذ عنها هو الانسان النظيف والصادق والحكيم.
بناء الحجر يستغرق سنة او اثنتين او ثلاثا..اما بناء الانسان فيحتاج الى سنوات طويلة، وتعمير الحجر يحتاج الى اسمنت وحديد وطابوق.. اما بناء الانسان فيحتاج الى العلم والثقافة والحرية.
مستقبل الكويت..ليس بناطحات السحاب وسلسلة الجسور والانفاق.. ان مستقبل الكويت يكون برعاية ابنائها واعادة احترام القيم عندهم وهيبة القانون...كويت المستقبل تحتاج الىجيل مسؤول يحب ويعشق وطنه.. فيتفانى من اجله..لا ان يفكر متى تدق ساعة الهجرة عنده، بعد ان مل البيروقراطية والروتين الحكومي.. ومل جو التشاؤم والحزن الذي يلف الجو العام.
مستقبل الكويت هو ان نعيد بناء جيل كويتي منذ السنوات الاولى في المدارس نقلب فيها كل المناهج لتحل مناهج التسامح والحب واستيعاب الطرف الآخر واحترامه، بغض النظر عن جنسه ودينه.
مستقبل الكويت يكون ببناء الانسان الكويتي الذي لا يعرف الاحباط.. حين تكون ابواب العمل مفتوحة، وجو التشجيع مشحونا في كل مكان.. والأمن والاستقرار السياسي هما الهواء الذي يتنفسه كلما فتح عينيه صباح كل يوم جديد.. وهذا لا يكون ابدا بالجسور والمستشفيات والطرق فقط.
نعم نريد ان تعود عجلة البناء التي توقفت سنوات طويلة...ولكن قبل ذلك نريد ان ندرس كيف نرمم المواطن الكويتي الذي قارب على الانهيار.. وان نعيد بناء ما اعوج منه...ونبدأ البناء الصحيح للجيل القادم الذي يملأ مدارسنا من الروضة الى الجامعة.
لقد فقد الانسان الكويتي الاحساس بالمسؤولية على كل المستويات، وفي كل المجالات، فتغير للاسوأ.. المسؤولية تعني واجبات.. والواجبات تقابلها حقوق.. ولكن من الخطأ جدا ان تزيد الحقوق فتغيب الواجبات... فلا يشعر الانسان بأي مسؤولية ازاء مجتمعه.. وهنا بيت الداء.
لست متشائمة، ولكني اعرف كما يعرف كثيرون وكثيرون غيري.. ان مستقبل الكويت باناسها وليس بعماراتها فقط.
أتمنى ان تنتشر اعلانات موازية لاعلانات وزارة الاشغال، وقد كتب عليها «وبدأ بناء المواطن لكويت المستقبل».


إقبال الأحمد

iqbalalahmed0@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق